وكالة أنباء الحوزة - بمناسبة ارتحال العالم المجاهد والمفکر الاسلامی المرحوم آیة الله ابراهیم أميني النجف آبادی الذي کان من اقدم اصحاب الامام الخمیني (ره) والسید القائد الامام الخامنئي وابرز تلامذة العلامه الطباطبائي ، کتب الاستاذ مرتضی نجفي قدسي من خدام القرآن ومؤسس دارالقرآن للعلامه الطباطبائي مقالة بهذة المناسبة تاتیکم بالتالي:
بسم الله الرحمن الرحیم
(وَ مَنْ أحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَیَ اللّه وعَمِلَ صَالَحًا وقَالَ إنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِینَ) (سوره فصلت آیه 33)
انتقالُ العالم الرّبّاني سماحة آیة الله إبراهیم أمیني إلی جوار ربّه في اللیلة الأولی لشهر رمضان المبارك، یدلّ علی أنه في ضیافة الله حقّاً وما هو أفضل منها؟ لأنه ضیف الرحمان وفي لقاء الله، أمل یتمنّاه العرفاء ولذلك تقول الآیة الشریفة:
(مَنْ کَانَ یَرْجُو لِقَاءَ اللّه فَإنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وهُوَ السَّمِیعُ الْعلِیمُ) (عنکبوت: 5)
التّحدث في مجال الکبار، وذلك من جانب کاتب ضعیف مثلي أمر صعب جدّا، ولکن ببرکة المؤانسة بیني وبینه ووجود العلاقة التي کانت بیننا، رأیت أن أؤدي واجبي قباله واکتب مذکرة بمناسبة ارتحاله، خاصة انّه کان أحد تلامذة سماحة العلامة الطّباطبائي (رض)، علّني أکون قد کتبت قولا حَسنا.
آیة الله ابراهیم أمیني ذوالکفاءَة وله شخصیة متعددة الجوانب: تنقسم حیاته إلی ثلاثة محاور:
اولاً: حیاته العلمیة.
ثانیاً: حیاته السیاسیة والاجتماعیة.
ثالثاً: حیاته المعنویة والعرفانیة.
حیاة آیة الله أمیني العلمیة
له مؤلفات کثیرة وکتب عدیدة منوعة ممتعة أشهرها هي التي صنفها بابسط اللغات وأسهلها لملایین من طلبة المدارس الإبتدائیة والثانویة، وعمله هذا یشبه تمامام بکتاب صنفه العلامة الطباطبائي في مجلدین وسمّی الأول منهما بـ : العقائد الدینیة، والآخر بـ : الأخلاق والأحکام.
قبل الثورة الاسلامیة، کان آیة الله امیني ألّف کتاباً یحمل عنوان: «ناشر العدل في العالَم» ردّا علی الشّبهات والقضایا الخاصة التي کانت تتعلّق بالمهدویّة وکذلك فیما یتعلق بالتّعرف علی الامام الحجة الثاني عشر «عج»، وکان الکتاب یعتبر ولایزال من الکتب الدراسیة للحوزة العلمیة وطُبع حتی الآن عشرات مرّة.
ما تُرك منه کتب، أُلفت تلبیة لضرورات العصر، خاصة فیها إجابات له تناسب مستوى الجيل الشاب، وهو حرّرها بعبارات بسیطة تخدم کافة الناس، جاءت فها رس مکتوبات آیة الله أمیني في سیرته الذاتیة فلیُراجَع؛ لإن الهدف الرئیس من هذا المقال هو طرح قضایا هامة قلّما طرحت حتی الآن وسنتحدث عنها في قسم الحیاة المعنویة لایة الله أمیني
حیاته السیاسیة والاجتماعیة
بشأن الحیاة السیاسیة والإجتماعیة لآیة اللّه أمیني قیل أحادیث کثیرة، اذن في هذا الحقل نشیر إلی بعض مناصبه: کإمامة الجمعة في قم المقدسة وعضویته في مجلس الخبراء وفي مجلس تشخیص مصلحة النظام وکذلك العضویة في تعدیل وتنقیح الدستور ورحلاته الإعلامیة الی داخل البلاد وخارجها ومرافقته الامام الخمیني (رض) منذ عام 1962 (1341- الهجریة الشمسیة) ومشارکته في تأسیس جماعة مدرسي الحوزه بقم المقدسه وذلك قبل الثورة الاسلامیة، وتعزیز أمر مرجعیة الإمام الخمیني (ره) بعد ارتحال آیة الله العظمی السید محسن الحکیم، ورحلته الی طهران برفقه رجال الدین انقاذا للامام الخمیني من کید الکیان المَلِکي الذي کان قد حُکم علیه بالاعلام وخلاصة القول أن المرحوم آیة الله أميني (ره) بذل جهودا مکثفة مشرقة في سبیل الله في حیاته السیاسیه والاجتماعیه.
و کانت لخطبه من منصة صلوة الجمعة صدی واسع في المجتمع وکانت دعوته الی الله تعالی ، إنه کان یؤکد في کلماته علی الأسس الأخلاقیه دوما، وهنا جدیر بالاشاره أن الحوزة العلمیة فقدت أحد اکبر اساتذتها في الأخلاق الاسلامیة. آیة الله أميني (ره) کان سلیم النفس، یدعو الی تعزیز الوحدة في المجتمع وکان من أساطین الثورة الاسلامیة المبارکة، ومن هواجسه أنه کان یسیر علی منهج الإمام الراحل (ره) والسید القائد الامام الخامنئي، ولم تکن له مواقف بنّاءة مبدئیّة وعادلة إزاء الذین کانوا بصدد بثّ الفرقة والنفاق في المجتمع وحسب، بل کان یصمد أما مهم وفي نفس الوقت لم یخرج عن حدود العدل والتقوی. ولنا في هذا الصعید موارد کثیرة نکتفي بهذا المقدار.
إن عند آحاد الناس تقریبا علم بمواقفه السیاسیه من الثورة الاسلامیة وبافکاره الرصینة
حیاة آیة الله أميني المعنویة والعرفانیة
لم یُذکر عن حیاة آیة الله أميني المعنویّة والعرفانیة إلّا شيء یسیر نادر، ولذلك أنا ارکز علی هذا الوجه من مراحل حیاته الشریفة لأن مشاهدة سلوك العلماء الکبار تؤثر في حیاة المجتمع أخلاقیا، ولو کان للإنسان في حیاتة الشخصیة أسوة طبیبة حسنة لاتّخذ منه حسناته وخُلُقَه ثم یقلده ویحب أن یشبهه تماما ، إذن الآیة الشریفة تقول:
(لَّقَدْ کَانَ لَکُمْ فيِ رَسُولِ اللّه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (احزاب: 21)
أحد الأسباب التي جاء في روایاتنا أنها تؤکد فیها علی أنّ النظر في وجه العالِم عبادة، هو من هذا المبدأ، لأنه یجب أن ننظر إلی الأسوة فنفعل ما یفعله هو. وفي هذا الصعید أولُ من نقلده هو النبيّ الحبیب صلی الله علیه وآله وسلّم ثم نُقلد الأئمة الطاهرین علیهم صلوات الله أجمعین وبالتالي نقلد العلماء الربانیین لأنهم بعد النّبي وآله خیر أسوه للتأسي بهم في الفضائل والاخلاق والمعنویات.
آیة الله أميني (ره) دخل الحوزة العلمیة بقم المقدسة في سنة 1947 (1326 هـ .ش) وتتلمذ علی أساتذة کبار المرموقین ك: المرحوم آیة الله حاج رحیم أرباب[1] وآیة الله سلطاني الطباطبائي وآیة الله بهاءالدیني وآیة الله مجاهدي ثم تتلمذ علی المراجع العظام ك: آیه الله مرعشي النجفي وآیة الله محمدرضا اللكبايكاني وعلامة الطباطبائي والامام الخمیني وآیة الله بروجردی.
لکل من هذه الشخصیات العلمیة في قم المقدسة آنذاك مکانة مرموقة ممتازة لدی الشعب الایراني فآیة الله أميني (ره) تأثر بهم ولکل من هؤلاء العلماء الکبار، دور في ارتقاء شخصیته الاخلاقیة.
قبل إبعاد الامام الراحل إلی خارج البلاد أي الی النجف الاشرف، کان آیة الله أميني یشارك في محاضرات الامام الخمیني المشهورة بـ : (درس الاخلاق)، ثم تتابع محاضرات سماحته في الفقه والاصول، ثم کان مهتما بالمشارکة في دروس العلامة الطباطبائي العامة منها والخاصة، هي الصفوف أو الدروس التي ترکت آثاراً افذة نادرة في تشکیل شخصیة آیة أميني المعنویة العرفانیة.
إعجاب آیة الله أميني بشخصیة العلامة الطباطبائي
آیة الله أميني کان من المعجبین بشخصیته العلامة الطباطبائي بحیث لم یترك محاضراته من أولها الی آخرها وبما أن هناك تغییرات في مراحل دروس الطلبة في الحوزة من حیث استبدال الأساتذة، وتتلمذ هم علی اساتذة آخرین، ولکن آیة الله أميني کان یری أن الاستفادة من محضر العلامة الطباطبائي، من عنایات الله بالنسبة له، إذن کان یشارك في حلقات درس العلامه من البدایة الی النهایة حتی في فترة العطلات الدراسیّة وفي حقبة مرض العلامة، کان بینه وبین العلامه علاقات وطیدة یستفید منها في تلك الفرص السانحه له.
من کلمات آیة أميني حول استاذه العلامة الطباطبائي:
إنه کان صاحب راي وأدب وسلوك عرفاني ولکنه لا یُرائي ولا یتظاهر في ذلك أبدا وحتی إذا سُئل عن السلوك العرفاني کان یتحاشی في الإجابة ، وبالتقیة یفر من ذلك وکان یُرجع السائلین إلی أخیه آیة الله محمدحسن الهي.
من وجهة نظر آیة الله أميني کان للعلامة الطباطبائي شخصیة خطیرة شاملة قل نظیرها، وبما أنه کان مشهورا بصاحب تفسیر المیزان ولکنه في نفس الوقت کان صاحب میزات وکمالات متعددة لایُتحدث عنها مطلقا.
کان یرفض آیة الله أميني بأن العلامة الطباطبائي أُصیب بمرض النّسيان في أواخر عمره الشریف، وکان لسکوته في الأشهر الأخیره من حیاته دلائل أخری لاصلة لها بمرض النسیان، بل هو کان یسیر في عوالم عرفانیة أخری لایُدرکها أحد فکانوا یظنون أنه مصاب بمرض النّسیان! بینما کان العلامة یراقب نفسه عن کثب ویحافظ علیها.
کان آیة الله أميني یقول: أنا ذهبت الی بیت العلامه مرات عديدة عیادة له، عندئذ کنت أساله اسئلة، فکان یجیبني باختصار وکان هذا یدل علی أنه بريء من مرض النسیان وإنما هو في عوالمه العرفانیه وسلوکه الشخصیة لذلك کان یفضل ألّا یحاور أحداً!
ذات مرة حضر آیة الله أمیني في بیت العلامة الطباطبائي وطلب من عائلته أن یتحدثوا عن عادات العلامة في البیت وتصرفاته العائلیه وعلاقاته مع ذویه وأسالیب تعامله معهم لکي یتأسی بجنابه أهل المعرفة والکمال.
لماذا یقال لشهید، شهید؟!
آیة الله أميني یحکی عن فترة مرض العلامة الطباطبائي التي کان لایتحدث مع أحد، یقول سألته لماذا یقال لشهید شهید؟! هل ذلك بسبب حضورهم في جبهات القتال؟ فقال العلامة: «لا، بل أعلی منه وهو مقام الأعمال» وکان العلامة- بجوابه الدقیق العمیق عن هذا السؤال- یرید أن یقول، نظرا إلی الإتجاه الکمالي للنّبي(ص) وللإمام (ع) نحو اللّه ولهم سیر صعودي إلیه دوما، فللشهید ایضا سیر صعودی کمالی.
لقد سألوا العلامة ما المقام الذي أنتم فیه الآن؟ فقال: أنا الآن في مقام التکلم! وکذلك سألوه، مع من؟ فقال: مع الله عز وجل
جولة في مکة المکرمة والمدینة المنورة لسبعة أیام
قبل 14 سنة أي في سنة 1384 هـ .ش وفقني اللّه أن أرافق آیة الله أمیني وآیة اللّه رسولي محلّاتي والاستاذ محمدرضا حکیمي والأستاذ عزیز الله عطاردی والعلماء الآخرین الذین کانوا قد انتخبوا کمؤلفین وکُتّاب متفوقین في مراسم الفائزین بجائزة کتاب الولایة، کنت أرافقهم إلی مکة المکرمة لمدة اسبوع، أنا في تلك السَّفرة کنت شاهدا عن کثب کیفیة إنجاز آیة الله أميني لمناسك الحج وتردّده في الحرمین الشریفین وکنت أشاهد اهتمامه بتلاوة القرآن تلاوة کثیرة تلفت انتباهي، الأمر الذی نحن مع الأسف الشدید لا نهتمّ به مثلما هم یهتمون به، بینما کان الأئمة علیهم السلام والعلماء الربانیّون یقرؤون القرآن عدّة أجزاء یومیا!
جاء في سیرة الإمام الخمینی (ره) أن أحد الأشخاص المرموقین یسأل الامام الراحل، لماذا جنابکم تتلون القرآن کثیرا؟! فقال الامام: - بعد مکث- من أراد أن یسیر علی نهج الانسانیة ویُدرك مکانته فعلیه تلاوة القرآن دوماً وکلنا تنذکر أنه کان مکتب سماحته في أعتاب شهر رمضان المبارك معطّلا الی نهایة هذا الشهر الکریم، لأن الامام الراحل کان یقضي مُعظَم وقته في تلاوة القرآن ولا یلاقي أحدا في شهر رمضان إلاّ عند الضرورة.
من عادات آیة الله أميني الجمیلة أنه کان مهتما بقراءة الزیارات والادعیة المأ ثورة لأهل البیت علیهم السلام ، إذن في کل فرصة سانحه له کان یستفید منها لهذه المبادرة الطبیة ، وأنا شخصیا في رحلتنا الی مکة والمدنیة کنت معه وأری غلبة المعنویات علی شخصیته الطیبة ، رحمه الله وحشره مع أولیاءه الکرام ویغفر لنا ( وسبّح بِحَمدِ رَبِّكَ بالعشی والابکار ) (الغافر/55)
خادم القرآن : مرتضی نجفي قدسي
المُعَرّب: محمد حسن محمدي
[1]- في اصفهان